من تاريخ مصر..عصر الاضمحلال الثاني(الأسرتان 13-14)(13)

ست مريض
هاجمته الحمى بقسوة
أراه أمامي ينتفض جسده الضئيل
من كيد الحمى
لا أدري ماذا أفعل؟
ظروف البلاد الآن شديدة السوء
مرة أخرى ضعف النظام
فساد الفساد
وانتشرت الفوضي والذل
واضطرب الأمن
كان ذلك بعد سقوط الأسرة الثانية عشرة
فقد تطلع كبار الموظفين وقواد الجيش وكل ذي قوة في البلاد
للحكم
واتخذت لذلك جميع السبل
من قتل وخلع ومؤمرات
ودخلت بلادي لعصر آخر من الاضمحلال
وهو العصر الوسيط الثاني
أو عصر الاضمحلال الثاني
والذي امتد من عام 1785 إلى 1560 ق.م
مرة أخرى يا بلادي
تنتشر الحمى في جسدك
مرة أخرى تهاجمك أمراض الضعف
مازال جسد ست يشتعل من الحمى
إن كل محاولات لامتصاص حرارته قد باءت بالفشل
حتى مياه النيل
لم تكف لإطفاء نيران حمته
مسكين يا ست
توقف عقلي أنا الأخرى عن التفكير السليم
ماذا أفعل يا ربي
لا أتحمل رؤيته هكذا
ماذا أفعل؟
نعم نعم…الحكيم
إنه الحكيم الذي عالج قدمي سابقاً
هو من يستطيع مساعدة ست
حمداً لله
فقد أنار لي عقلي
وها أنا أتذكر طريقه
أحمل طفلي بين ذراعي
وكأني أحمل جمرة من نار
مسكين أيها الجسد الضئيل
كيف لك أن تتحمل كل تلك الحرارة
يارب اشفه
يارب
أخرج ليلاً متسترة في الظلام
أرقب الطريق جيداً
فقد انتشر اللصوص في كل مكان
ولم يعد للأمان مكان في بلادي
مصر غير آمنة

لا أستطيع تخيل ذلك
رب اجعل هذا البلد آمناً
رب اجعل هذا البلد آمناً

تسابق خطواتي سكون الليل
ويملأ الخوف قلبي من الظلمة
كانت ليلة شديدة السواد
وإن كنت أشعر بنظرات عيون مجهولة تتابعني
كان الخوف
شيطان القلوب
يصور لك ما يشاء
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف والحزن
حمداً لله
هاهو بيت الحكيم
أطرق الباب بشدة
بينما تتابع عيناي الطريق خوفاً من أي مفاجأة
تتسارع طرقاتي على الباب
وست بين ذراعي
في عالم آخر
لا يعلمه إلا الله
هيا أيها الحكيم
فالخوف يقتلني؟
اسمع صوتاً من الداخل
يتساءل عن الطارق
أنا أيها الحكيم
إنه أنا ومعي ست
عنده حمى يا حكيم
أرجوك أن تفتح لنا؟
يفتح لنا الحكيم الباب بحذر
يتطلع إلى وجهي
من خلف هالات ضوء شمعة صغيرة يحملني
أرفع له ست ليراه
يطمئن لنا
تتسع فتحة الباب أكثر
وأدخل منها مسرعة
وأغلقها خلفي بشدة
وكأنها حاجز بيني وبين الظلام
ظلام الخوف
ما الأمر؟
ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟
إنه ست أيها الحكيم؟
إن الحمى تفترس جسده
ومش عارفه أعمل إيه؟
خايفة يجرى له حاجة
مش عارفه أعمل إيه؟
تسبقني دموعي
كم أكره عادتي تلك
كم أكره قوة دموعي
حيث فشلت دوماً في التحكم فيها
عند الحزن
شعور بالضعف فظيع
فشلت دوماً في التغلب عليه
ولكنه الآن يشغلني
بقدر ما يشغلني ست
يا رب أنت الشافي
فنجه يا الله
أخذه مني الحكيم
وكشف عنه الأغطية الكثيرة التي وضعتها عليه
قام الحكيم بسكب الماء فوقه
أنت بتعمل إيه؟كده يتعب أكتر
نظر إلي نظرة شديدة الجمود
أعرف عملي جيداً؟
ثم قام وأعد له بعض الأشياء
تشبه الأعشاب
وطلب مني أن أسقيه إياها
فعلت ما قال
اتركيه يستريح قليلاً
وضعت يدي على جبينه
بدأت حرارته تنخفض نسبياً
عندما يضعف الجسد
يصبح مقاومته للأمراض أقل
فيصبح فريسة لها بسهولة
تذكرت ما آل إليه حال البلاد
حيث ضعف النظام الحاكم
فانتشر الفساد في كل البلاد
فأصبحت بلادي فريسة للانهيار
ماذا يحدث في البلاد
نظر إلي الحكيم
بنفس الملامح
نفس الهدوء
انهارت البلاد بسبب تنافس أسرتين على الحكم
الأسرة الثالثة عشرة والرابعة عشرة
الأسرة الثالثة عشرة تحكم في طيبة في الجنوب
وعدد ملوكها 60 ملكاً
وأسرة أخرى هي الأسرة الرابعة عشرة
تحكم في مدينة سخا بالدلتا
وعدد ملوكها 76 ملكاً
ومع الصراع والتنافس
ضعفت البلاد
فكانت عرضة لأطماع الغزاة من الخارج
ومما مهد لغزو الهكسوس مصر
ولذلك قصة طويلة