كان حقاً مشهداً مفزعاً
فوضى تعم المكان
أرى الزروع تحرق
والمباني تهدم
وحتى القبور
لم تسلم من حالة الفوضى
توقفت البلاد عن العمل
الفوضى
والفساد
واللامبالاة
أصبحت هي مفردات العصر
(ارفعوا أيديكم عنه؟ابتعدوا؟)
كانت كلمات ست
مازال كلامه يحمل معان أكبر من سنه
اندفع حيث مجموعة من اللصوص
يقومون بهدم جدار حجري ضخم
تزينه نقوش جميلة
(ابتعدوا؟ابتعدوا؟
أنتم لا تعرفون كم من الأيادي
والعقول شكلت هذا الجدار
حضارة مضت
وتركت لنا آثارها
لنعتبر
من حضارة بنيت
وأنتم بكل سهولة تهدمون
أبداً لن يحدث ذلك
لن أسمح لكم)
ظل يدفعهم بيده
يشتبك معهم
وأنا
تملكتني الصدمة
أصاب تفكيري الشلل للحظة
لم أدرِ ماذا أفعل
ست بجسده النحيل
بسنه الصغير
في مواجهة اثنين من اللصوص
أقوياء الهيئة
يحملون فؤوساً
ليس للزرع
ولكن للهدم
كانت المواجهة غير عادلة
كماً
وكيفاً
كيفاً؟
لا
الكيف؟ يرجح كفة ست
لأن الحق معه
فهو على حق
وهم على باطل
تجمدت في مكاني للحظات
دائماً توجد مبادئ نظرية نؤمن بها
نعتقد بها
نتشبع بها
ولكن عند التطبيق
عملياً
يصبح الأمر مختلفاً
ما كنت تراه وضوح الشمس
يفصل الآن على أرض الواقع
جدار من صلب
ينتابك التردد والخوف
الخوف من اقتحامه
الخوف من الارتطام به
أمر عجيب
يظل الخوف من التجربة
يأكل من أعمارنا وعزائمنا
فيصيبنا الكبر
في أوج الشباب
أمر عجيب
لمَ الخوف
إن الارتطام بالحائط
ستكون نتيجته شيئاً من اثنين
إما أن تكتشف أنه حائط وهمي
لا وجود له
فتعبر إلى ما تريد
أو يكون حائطاً صلداً حقاً
فترتطم به
تصاب معه عظامك
ولكن
مازالت أنت المنتفع
فقد عرفت خصائص هذا الجدار
لمستها بنفسك
خضت التجربة
فتبدأ خطوة تالية
بفكر آخر
كيف تتسلق الجدار
مادمت فشلت في اختراقه
اندفعت نحو ست
محاولة مني في ترجيح الكفة
ثم بدأ ينضم إلينا
بعض من الفلاحين
الذين استطاعوا التغلب على خوفهم
والانضمام إلينا
أصبحنا أكثر
كماً وكيفاً الآن
فلم يجد الخوف مكانا ًبيننا
فانتقل بسرعة إلى قلوب اللصوص
كما تنتقل فيروسات العدوى
من الشخص المصاب في فترة نقاهته
إلى شخص آخر عنده الاستعداد لتقبل العدوى
هرب اللصوص منا
سبحان الله
كانت خطوة شخص واحد
وإن شئنا الدقة
طفل واحد
شجاع
إيجابي
مؤمن بمبادئه
هي التي أشعلت نيران الحماس فينا جميعاً
ظل المصريون دوماً هكذا
فقط يظهر الزعيم
القائد
فتجد الكل حوله
فكما تبدأ النيران
بمجرد شرارة
يبدأ الإصلاح بخطوة مخلصة
لشخص شجاع
نبت منبتاً صحيحاً
وتربى على مفاهيم صحيحة
لذلك كنت دوماً أرى
والعلم عند الله وحده
أن الإصلاح الفعلي
لن يكون في عهدنا هذا
لأننا لم ننبت بصورة صحيحة
ولكننا أدركنا ذلك
فالأمل سيكون في الجيل القادم
أما نحن
فسنمهد لهم الطريق
سنزرع فيهم تلك القيم
سننبتهم على تلك القيم
كي يأتي الفجر بأيديهم
إن أولادنا هم من سيحملون راية الإسلام عالية
لذا
علينا الكثير لنمهد لهم الطريق
وقفت قليلاً أمام الجدار
كان يحمل نصوصاً أدبية
غاية في الرقة
تحمل الكثير من مشاعر الناس
الصادقة
تحمل الكثير من الآمال
نحو المساواة الاجتماعية والعدالة الإنسانية
كان الأدب في ذلك العصر
يحمل التباشير لعهد مزدهر قادم
عصر جديد من التاريخ المصري القديم
عصر الدولة الوسطى
مع بداية الأسرة الحادية عشرة
فكما تحمل الرياح البشرى
بقرب سقوط المطر
حمل الأدب دوماً تطلعات لعصر أفضل
وعادة ما يتبعه فعلاً
ولكن ترى ماذا حدث للأسرتين التاسعة والعاشرة
إيه اللي حصل لهم يا ست)
حملت ملامح ست بعض الضيق
لم يرد الحديث عن تلك الفترة
فقد كرهها جداً
وود لو يستطيع محوها من ذاكرته
أو لنقل من كل التاريخ
ولكن هيهات
أن قلم التاريخ
لم تخلق له ممحاة بعد
قد نخطئ الفهم أحياناً
نظراً للظروف المحيطة
قد تبدو أمور كثيرة غامضة لنا
ولكن يبقى التاريخ
أصدق كاتب لما كان
حسناً ولكن باختصار.في ظل انتشار الفوضى والتفكك،انتزعت أسرة من اهناسيا وهي بالقرب من بني سويف الحالية الحكم بالقوة من الأسرة الثامنة الضعيفة والتي كانت تنتمي إلى مدينة منف.
فأصبحت اهناسيا عاصمة لحكمهم طوال فترة حكم الأسرتين التاسعة والعاشرة.وقد حاولوا إقامة علاقات سلمية مع الأسر الأخرى في طيبة وأسيوط ولكن مع زيادة قوة أمراء طيبة
نشبت الحرب بينهم وانتهت بالنصر لصالح أمراء طيبة بقيادة منتوحتب الثاني وهو أحد ملوك الأسرة الحادية عشر والذي انتقلت معه مقاليد الحكم إلى طيبة حيث بدأت البلاد في الدخول مرة أخرى إلى عصر مزدهر
وهو عهد الدولة الوسطى
رغم انتشار الفوضى وامتدادها من عام 2180 ق.م إلى 2060 ق.م
أي حوالي 120 سنة
ولكن يبقى دائماً
التغيير قانون الحياة
مهما اشتدت الظلمة
فسوف يليها الفجر
ثم تسطع شمس الصباح
إذاً موعدنا الصبح
أليس الصبح بقريب؟؟