(ماذا تفعل هنا يا فتى؟)
استفهام حمله صوت أجش استدرت إلى مصدره فوجدت هيكلاً ضخماً يبدو من هيئته أنه جندي
أو ما شابه تعلو قسماته قسوة غريبة تسلل إلى نفسي الخوف
هممت بالرد عليه
من أنت وماذا تريد منه؟
لم يعرني أي اهتمام وكأنه لا يراني واستمر في حديثه لست
ألم تسمع سؤالي؟ لم تركت عملك أيها الفتى لم يعد هناك وقت ؟أمامنا عمل كثير علينا انهاؤه
ثم دفعه بحربته بعنف
ثانية واحدة يا عم هرقل؟خير في إيه؟أنت مستقوي نفسك على الواد كده ليه؟
احك لي مشكلتك يمكن أقدر أساعدك
قذفني بنظرة نارية ارتعدت لها أوصالي أدركت أن الأمر جد ولا يقبل المزاح
لو تسمح حضرتك؟لو كان ست ضايقك ولا حاجه قل لي؟
ومعلش خليها عليك؟برضه طفل صغير؟
لا تتدخلي فيما لا يعينك سيدتي؟خير لك
ثم استدار إلى ست مرة أخرى وجذبه إليه بعنف
هيا كفانا تأخيراًَ
ولكن؟ انتظر؟أريد أن أفهم
قالها ست بصوت مرتجف وكأنه يستغيث بي لم أتحمل رجفة صوته هذه
خفت عليه حاولت التفاهم مع الجندي فلم أفلح حاولت جذب ست بالقوة من بين يديه
ازداد وجه الجندي قسوة وأحكم سيطرته على ست حاولت جاهدة انتزاعه منه
ففي لحظة ما شعرت بست طفلي وإن كنت لم أنجبه يؤخذ مني رغماً عني
لم أتحمل تلك الفكرة فاستمت من أجله وزاد النزاع قوة فدفعني بقوة بحربته فألقى بي بعيداً والتوت قدمي تحتي
لم أستطع الوقوف عليها فصرخت ألماً وخوفاً على ست
لا لا لا أريد الذهاب معك؟أرجوك أنقذيني؟
تباعد صوت صراخه عني واختفى عن نظري حاولت جاهدة القيام فلم تقو قدمي على حملي سكون رهيب
أطبق على المكان وكأنه قبر مهجور لم يخرقه غير صوت بكائي الذي انفلت رغما ًعني فكم كرهت الشعور الضعف والعجز وكم كرهت أن ينتزع مني شيء رغماً عني تعالى صوت بكائي حتى خيل لي أن الشجر والأرض
والماء يبكون معي
ست
طفلي الحبيب
شعرت بالظلام يعم المكان رغم كوننا في وسط النهار
(بس ……بس)
انتبهت لصوت يأتي من خلف أعواد الغاب ست؟ده صوت ست
علت البسمة وجهي واستدرت إلى مصدر الصوت بسرعة رأيت خيال طفل صغير فعلاً
يالله إنه ست ناديته والفرحة تسبق صوتي
أنت ده يا ست؟
اقترب الظل مني وشيئاً فشيئاً أدركت ملامحه وتملكني الإحباط مرة أخرى
كاي؟!!!!
نعم إنه أنا
لقد رأيت ما حدث كله ما حدث لست
كنت موجوداً؟ولم تساعده؟ده مش صاحبك؟لو كان مكانك مكنش سابك أبداً إيه مفهوم الصداقة عندك؟ايه………
مهلاً سيدتي؟مهلاً كيف كان لي أن أقاوم بدنيا ذلك الجندي لقد أعطانا الله عقلاً لنفكر به ولم تكن المواجهة صواباً في تلك اللحظة
انتباني البكاء مرة أخرى
يعني إيه مش حاشوفه تاني كده خلاص
طبعاً لا؟أنا أعرف إلى أين ذهب؟
أحقاً ما تقول؟تعرف مكانه؟يلا بينا نروح له؟يلا بسرعة
ولكن….
هيا لا وقت لدينا يا كاي
لكن سيدتي؟مهلاً…
حاولت الوقوف مرة أخرى فلم تسعفني قدماي وسقطت على الأرض وتذكرت قدمي
يجب أولاً أن نداوي ساقك قبل أي شيء
ولكن يا كاي أنا خائفة على ست حد يضايقه أو يؤذيه ولا حاجة؟
لا تقلقي سنذهب إليه ولكن أولاً علينا الذهاب إلى حكيم القرية كي يعالج قدمك ثم نكمل مشوارنا
اتفقنا
استسلمت له
اتفقنا
دخلت بيتاً أشبه ما يكون بالمعبد أضواؤه خافته تكسوه أدخنة البخور دخلت متكئة على كاي
كي أستطيع الحركة جلسنا في صحن المنزل لا أدري إن كانت مدة طويلة أم قصيرة
فلم يعد للوقت مقياس عندي فمازالت ضحكات ست تملؤ أذني وصورته وهو يلهو ويقفز من مكان لآخر
كاي طفل في التاسعة من عمره يعتصر قلبي الخوف عليه والشوق كذلك
(مرحباً بكم)
صوت رخيم يحمل الكثير من عبق التاريخ وقوة الماضي أتاني من الجانب الآخر للصحن
لم أتمكن من تحديد عمره وإن حملت ملامحه الكثير من الهيبة والوقار وأحسب كذلك الحكمة قام بمداواة قدمي
بمهارة
(لا تتحركي كثيرًا؟حاولي أن تريحيها قدر المستطاع؟)
ولكن سيدي ؟أنت لا تعرف ما حدث؟مقدرش أرتاح وست….
أعلم كل ما حدث
تعرف؟؟؟؟ تعرف أين ست؟؟
نعم أعرف؟ إنه الآن مع بناة الأهرام ...بناة الأهرام؟
نعم أنت الآن في الأسرة الرابعة وهي أسرة بناة الأهرام وقد امتد حكمها 284 سنة
وضمت 8 ملوك وأول ملوك تلك الأسرة هو (سنفرو) وبه يبدأ عصر رخاء وثراء لمصر نتيجة لإدارته الحكيمة، وقد خلفه خوفو الذي كان أكثر منه قوة وتأثيراً وهو يعتبر من أعظم ملوك مصر وسيصبح اسمه أسطورة بفضل الهرم الأكبر الذي يشيد الآن بالجيزة ليكون مقبرة له
عليك أن تفخري بست فهو أحد البنائين في هذا الصرح العظيم
ولكن سيدي مازال طفلاً؟ألا تدرك ذلك
لا يوجد لدينا أطفال لكل منا عمله خوفو بنى الكثير من المعابد وشجع على استكمال الأعمال التعدينية في سيناء
علي الأقل لا ترتكزي عليها
أعطاني منسأة أتكئ عليها
حاولي استخدام هذه قد تعينك
العون من الله
ونعم بالله ولكن حاولي قدر المستطاع أن تفسحي المجال لعقلك أكثر حاولي تلجيم انفعالاتك إن كنت تريدين خلاص ست
ست؟ ترى أين أنت الآن؟ وكيف حالك؟