نتهى الحفل وعدنا إلى الأرض أنا وست جلست على العشب الأخضر واستندت إلى جذع شجرة وارفة الظلال ترخي بأغصانها على صفحات المياه في حديث ودود لا نفقه عبارته تتسابق حولي نسمات الوادي الرطبة
فتخفف عليّ من عناء الرحلة لكم أحسد الطيور على أجنحتها كما أحسد كائنات البحر على زعانفها لطالما حلمت بأن أكون منهم وأنعم بحريتهم
أتعبك الطيران
هكذا حادثني ست (نعم ولكنني كثيرًا استمتعت به)
كذلك الحرية أختاه لا يعادل حلاوتها شيء آخر
ولكن الطريق إليها ليس هيناً قد تكون منحت إلى الطيور
هبة من الله ولكن… أنتم البشر عليكم إدراكها والعمل من أجلها فلن تمنح لكم دون أجر
أصبت يا ست لقد وهبني الله ما هو أعظم من الحرية
وهو كيفية إدراكها والعمل من أجلها وهبني الخيال والقدرة على الحلم
أصور به ما أشاء ثم أعود إلى أرض الواقع فأبدأ الخطى نحوه
الإنسان خير مخلوقات الله إن أحسن عملاً
(يدفعني كلامك دائماً إلى مزيد من الحيرة كيف لطفل في مثل عمرك يا ست أن يكون بهذه الحكمة)
عاودته ضحكاته الطفولية ثم أتبعها بحركة بهلوانية في الهواء وكأنما يصدق على كلماتي
أنا لست طفلاً أنا عمري يتعدى ال 5000 عام ثم هذا أنا دائماً
أنا المصري دائماً
أحمل دائماً طفلاً بسيطاً داخلي أنطق بالحكمة وبغيرها أحياناً
تريني أماً حنوناً تجديني أباً حازماً لن تعلمي أبداً من أكون
لهذا أنا المصري وسأبقى دائمًا مصري
غلبني ببلاغته وبساطته كذلك فلم أملك رداً عليه شردت مرة أخرى بين جنبات الوادي الخصيب حيث تطوف به عيناي
(هااااااااي ….أين ذهبت؟؟؟
)عادت عيناي مرة أخرى إلى حيث يقبع ست
(أنا معاك اهو)
حسناً..أتودين مصاحبتي؟؟فأنا ذاهب إلى زيارة أحد أصدقائي؟) أم تفضلين البقاء هنا حتى أعود؟ لن أتأخر عليك؟(
مين ده؟حتسيبني هنا لوحدي؟ معاك؟وين ما تروح معاك؟) (بس الله يخليك نرتاح شوية وبعدين نذهب؟أنت هديت حيلي بجريك ده؟)
فنظر إليّ لائماً وقال
كم أنت كسولة؟الوقت ضيق؟لا نريده أن يسرقنا؟هيا هيا؟
(أنا عارفة أن نهايتي على يدك؟أمري إلى الله ؟يلا بينا؟) أتسمح لي أن أسألك إلى أين نذهب؟
أخبرتك أني ذاهب لزيارة صديق لي لم أره من زمن بعيد؟؟
أنا معترضتش بس مين صاحبك ده؟وحنروح له فين؟
في القصر الملكي؟
أظن حتسرح بي وتفهمني أنك مصاحب الملك مينا؟
نظر إليّ وعيناه تحملان من الغرور بقدر ما تحملان من السخرية وأجابني
صحيح أنا أرقى لمنزلة الملوك والفراعين؟ولكن كما تعلمين فأنا شخص متواضع أحب مصاحبة عامة الشعب(أمثالك كده؟
)ثم لم يتحمل فغلبه الضحك مرة أخرى
(ماشي يا عم المهم كتر خيرك يا سيدي على تواضعك ده؟
حقيقة صديقي هذا يعمل بالقصر الملكي
وماذا يعمل؟وزير؟
قلتها ساخرة
تغاضى عن سخريتي واستطرد قائلاً
لا إنه يعمل في حديقة القصر الملكي
تقصد جنايني يعني
نعم هو كذلك…
حملنا قارب صغير إلى قلب النيل تبادرت إلى ذهني أنشودة النهر الخالد وكأن ضفاف النيل بأشجارها ونخيلها وتلالها قد اصطفت جميعاً تردد كلماتها
"مسافر زاده الخيال ........والسحر والعطر والظلال.........ظمآن والكأس في يديه........والحب والفن والجمال
شابت على أرضه الليالي .......وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الديار.............ويسأل الليل والنهار
والناس في حبه سكارى.............هاموا شطه الرحيب
اها...اها........اها على سرك الرهيب....وموجك السائغ الغريب....يا نيل يا ساحر القلوب"
فتتمايل عيدان البردي وزعف النخيل "فإن كواني الهوى وطار كانت رياح الدجى طبيبي
اها على سرك الرهيب وموجك السائغ الغريب"
تتسابق موجاته في حمل قاربنا تلقي بنا برفق من واحدة إلى أخرى ويصحبنا النيل في نزهة عبر ضفافه
أشبه ما يكون بثري يتفاخر بما يملك من ثراء أمام زائريه سبحان الخالق العظيم
خلق هذا النهر وسخره بعمارة جوانبه
(ها قد وصلنا)
إنه ست مرة أخرى نظرت إلى حيث رسا قاربنا حيث تمتد الحدائق أمامنا لتنتهي بنا إلى قصر من الطين
يحمل العظمة رغم بساطته
(كاي…كاي)
ست ينادي فتي صغيراً مشغولاً بتقليم أشجار الحديقة نظر إلى ست فعلت وجهه الفرحة
أهلاً ست ؟كيف حالك؟
)(حمداً لله؟افتقدتك كثيراً أخي؟)
(عذراً أخي لا أستطيع أن أبقى معك كثيراً؟فلدي عمل كثير كما ترى؟
)انتبه إلى وجودي(أخيراً)
من أنت؟من هذه يا ست؟
أجابه ست
إنها صديقة لي من عصر آخر؟
لم يفهم كلماته وهم أن يسأله فعاجله ست بسؤاله
يبدو أن عندك عملاً كثيراً فعلاً فالقصر أشبه بخلية نحل؟
ترى ماذا يفعل كل هؤلاء؟تساءلت أنا الأخرى عاجلني ست بالإجابة:
انظري أختاه,
يعتبر القصر الملكي أهم مؤسسات الدولة الناشئة بما جمعه من اختصاصات للسيطرة على أمور الدولة وتسييرها،وبما حواه من عدد كبير من العاملين في مختلف المجالات،فالبلاط الفرعوني هو بمثابة الحكومة بجميع عناصرها،وإن كانت هذه العناصر غير واضحة المعالم بعد.ففي البلاط الملكي ومن أجل ساكنه اخترعت الكتابة،لتسجيل أعماله وانتصاراته وكلماته وحكمه وأحكامه.أما الفن فقد بلغ النضج داخل القصر من أجل فرعونه.
جرت الأمور في شطري البلاد على منهجها القديم،فكانت هناك إدارة للجنوب وأخرى للشمال وبالتالي وزير للجنوب ووزير للشمال ويعلو الجميع الفرعون
وفي هذا البلاط الملكي عدد من الموظفين يتصل عمل بعضهم بشخص الملك،مثل حامل المروحة وحامل النعال ومنهم من له موقع مميز مثل كبير الفنانين ثم يأتي العاملون الآخرون في البلاط الملكي مثل المشرفين على تخزين المحاصيل وختمها بخاتم الملك وغيرهم
كل هؤلاء يشكلون الحاشية الملكية وهم يدفنون مع الملك وإلى جواره
.تلك كانت بداية الدولة المصرية بمفهومها الإداري
لكم أحبك يا أجمل البلاد ولازلت أجهل سبباً مجملاً لهذا الحب